الأربعاء، 9 مايو 2018

سر وجود ابو الهول بجوار اهرمات الجيزة

 سر وجود ابو الهول بجوار اهرمات الجيزة 

جاء في  المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار
للمقريزي 
ذكر الصنم الذي يقال له أبو الهول
هذا الصنم بين الهرمين عرف أوّلا ببلهيب، وتقول أهل مصر اليوم أبو الهول. 
قال القضاعي: صنم الهرمين وهو بلهويه، صنم كبير من حجارة فيما بين الهرمين لا يظهر منه سوى رأسه فقط !!

تسميه العامة بأبي الهول ويقال: بلهيب، ويقال: إنه طلسم للرمل، لئلا يغلب على إبليز الجيزة.
وقال في كتاب عجائب البنيان: وعند الأهرام رأس وعنق بارزة من الأرض في غاية العظم تسميه الناس: أبا الهول، ويزعمون أن جثته مدفونة تحت الأرض، ويقتضي القياس بالنسبة إلى رأسه أن يكون طوله سبعين ذراعا فصاعدا، وفي وجهه حمرة ودهان يلمع عليه رونق الطراوة، وهو حسن الصورة مقبولها عليه مسحة بهاء وجمال كأنه يضحك تبسما.
وسئل بعض الفضلاء، عن عجيب ما رأى فقال: تناسب وجه أبي الهول، فإنّ أعضاء وجهه كالأنف والعين والأذن متناسبة كما تصنع الطبيعة الصور متناسبة، فإنّ أنف الطفل مثلا مناسب له، وهو حسن به حتى لو كان ذلك الأنف لرجل كان مشوّها، وكذلك أنف الرجل لو كان لصبيّ لتشوّهت صورته، وعلى هذا سائر الأعضاء فكل عضو ينبغي أن يكون على مقدار ماهيته بالقياس إلى الصورة وعلى نسبتها، والعجب من مصوّره كيف قدر أن يحفظ التناسب للأعضاء مع عظمها، وإنه ليس في أعمال الطبيعة ما يحاكيه.
ويقابله في برّ مصر قريبا من دار الملك: صنم عظيم الخلقة والهيئة متناسب الأعضاء كما وصف، وفي حجره مولود وعلى رأسه مأجور، الجميع صوّان ماتع يزعم الناس أنه امرأة وأنها سريّة أبي الهول المذكور، وهي بدرب منسوب إليها ويقال: لو وضع على رأس أبي الهول خيط ومدّ إلى سريته لكان على رأسها مستقيما.
ويقال: إن أبا الهول، طلسم الرمل يمنعه عن النيل، وإنّ السرية طلسم الماء يمنعه عن مصر.
وقال ابن المتوّج «1» : زقاق الصنم، هو الزقاق الشارع، أوّله بأوّل السوق الكبير بجوار درب عمار، ويعرف الصنم بسرية فرعون، وذكر أنه طلسم النيل لئلا يغلب على البلد.
وقيل: إن بلهيب الذي عند الأهرام يقابله، وإنّ ظهر بلهيب إلى الرمل، وظهر هذا إلى النيل، وكل منهما مستقبل الشرق، وقد نزل في سنة إحدى عشرة وسبعمائة، أمير يعرف ببلاط في نفر من الحجارين والقطاعين وكسروا الصنم المعروف بالسرية، وقطعوه أعتابا وقواعد ظنا أن يكون تحته مال، فلم يوجد سوى أعتاب من حجر عظيمة، فحفر تحتها إلى الماء فلم يوجد شيء، وجعل من حجرة قواعد تحتانية للعمد الصوّان التي بالجامع المستجد بظاهر مصر المعروف: بالجامع الجديد الناصريّ، وأزيل عين هذا الصنم من مكانه، والله أعلم.
وفي زمننا، كان شخص يعرف بالشيخ محمد صائم الدهر من جملة صوفية الخانقاه الصلاحية سعيد السعداء، قام في نحو من سنة ثمانين وسبعمائة لتغيير أشياء من المنكرات، وسار إلى الأهرام وشوّه وجه أبي الهول وشعثه، فهو على ذلك إلى اليوم، ومن حينئذ غلب الرمل على أراض كثيرة من الجيزة، وأهل تلك النواحي يرون أن سبب غلبة الرمل على الأراضي فساد وجه أبي الهول ولله عاقبة الأمور، وما أحسن قول ظافر الحدّاد:
تأمّل هيئة الهرمين واعجب ... وبينهما أبو الهول العجيب كعمار يبتن على رحيل ... بمحبوبين بينهما رقيبوماء النيل تحتهما دموع ... وصوت الريح عندهما نحيب
وظاهر سجن يوسف مثل صب ... تخلف فهو محزون كئيب
ويقال: إن أتريب «1» بن قبط بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح أوصى أخاه صا «2» ، عند موته، أن يحمله في سفينة ويدفنه بجزيرة في وسط البحر، فلما مات، فعل ذلك من غير أن يعلم به أهل مصر فاتهمه الناس بقتل أتريب، وحاربوه تسع سنين، فلما مضى من حربهم خمس سنين مضى بهم حتى أوقفهم على قبر أتريب، فحفروه فلم يجدوا به شيئا، وقد نقلته الشياطين إلى موضع أبي الهول، ودفنته هناك بجانب قبر أبيه وجدّه بيصر، فازدادوا له تهمة وعادوا إلى مدينة منف وتحاربوا فأتاهم إبليس، فدلهم على قبر أتريب حيث نقله، فأخرجوه من قبره، ووضعوه على سرير، فتكلم لهم الشيطان على لسانه حتى افتتنوا به وسجدوا له وعبدوه، فيما عبدوا من الأصنام، وقتلوا صا، ودفنوه على شاطىء النيل فكان النيل إذا زاد لا يعلو قبره، فافتتن به طائفة، وقال: قتل ظلما وصاروا يسجدون لقبره كما يسجد أولئك لأتريب، فعمد آخرون إلى حجر فنحتوه على صورة أشموم، وكان يقال له: أبو الهول، ونصبوه بين الهرمين، وجعلوا يسجدون له، فصار أهل مصر ثلاث فرق ولم تزل الصابئة تعظم أبا الهول وتقرّب إليه الديكة البيض وتبخره بالصندروس.

الأربعاء، 2 مايو 2018

اماكن الكنوز والدفائن المصرية القديمة

 اماكن الكنوز والدفائن المصرية القديمة  

جاء في كتاب 

المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار
للمقريزي 

في باب

ذكر الدفائن والكنوز التي تسميها أهل مصر المطالب
  وقوله بان 

الأصل في جواز تتبع الدفائن ما رواه أبو عمرو بن عبد البر والبيهقيّ في الدلائل من حديث ابن عباس.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، لما انصرف من الطائف مرّ بقبر أبي رغال «1» فقال: «هذا قبر أبي رغال، وهو أبو ثقيف» . كان إذا هلك قوم صاح في الحرم فمنعه الله فلما خرج من الحرم رماه بقارعة، وآية ذلك أنه دفن معه عمود من ذهب فابتدر المسلمون قبره فنبشوه واستخرجوا العمود منه.

ومن حديث عبد الله بن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر، فقال: «هذا قبر أبي رغال وكان بهذا الحرم يدفع عنه، فلما أخرج أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه وآية ذلك أنه دفن معه عصا من ذهب إن نبشتم عليه أصبتموه معه» ، فابتدره الناس فأخرجوا العصا الذي كان معه.

وبمصر كنوز يوسف عليه السلام، وكنوز الملوك من قبله، والملوك من بعده !!

لأنه كان يكنز ما يفضل عن النفقات، والمؤن لنوائب الدهر، 

وهو قول الله عز وجل:

 فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ
[الشعراء/ 58] 

ويقال: إن علم الكنوز في كنيسة القسطنطينية
نقلت إليها من طليطلة.
ويقال: إنّ الروم لما خرجت من الشام ومصر، اكتنزت كثيرا من أموالها في مواضع أعدّتها لذلك، وكتبت كتبا بأعلام مواضعها، وطرق الوصول إليها، وأودعت هذه الكتب قسطنطينية، ومنها يستفاد معرفة ذلك، وقيل: إن الروم لم تكتب، وإنما ظفرت بكتب معالم كنوز من ملك قبلها من اليونانيين، والكلدانيين، والقبط. !!

فلما خرجوا من مصر والشام، حملوا تلك الكتب معهم، وجعلوها في الكنيسة؟!!

 وقيل: إنه لا يعطى من ذلك أحد حتى يخدم الكنيسة مدّة. فيدفع إليه ورقة تكون حظه.
قال المسعوديّ: ولمصر أخبار عجيبة من الدفائن والبنيان،
وما يوجد في الدفائن من ذخائر الملوك التي استودعوها الأرض، وغيرهم من الأمم ممن سكن تلك الأرض. 


وتدعى بالمطالب إلى هذه الغاية وقد أتينا على جميع ذلك فيما سلف من كتبنا.

 المستصغر في استحصاله الصعائب والعظائم، المستنصر بمولاه في حالتي الضعف والأيد الخواجة رفائيل عبيد، وقد وافق تاريخ تمامه، وانتهاء الطبع إلى حدّ ختامه، يوم الاثنين التاسع عشر، من شهر اليمن والخير صفر، الذي هو من شهور سنة ألف ومائتين وسبعين، من هجرة سيد النبيين والمرسلين صلّى الله وسلّم عليه وعليهم أجمعين، وعلى كلّ الصحابة والتابعين، ورزقنا بجاههم الاعتصام بحبله على الدوام، ومنحنا التوفيق لما يرضيه، والفوز بحسن الختام. آمين.

هذا ما كان من كتاب 

المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار
للمقريزي 

اما عن المسعودي

 فقد اورد في مؤلفه

 أخبار الزمان ومن أباده الحدثان، وعجائب البلدان والغامر بالماء والعمران
لأبو الحسن على بن الحسين بن على المسعودي (المتوفى: 346هـ)

ما نصه

في بداية بناء الاهرام واول من بناها 

أول من بنى الاهرام
كان سوريد بن فيلمون (1) ، وكان ملكا على مصر قبل الطوفان بثلاثمائة (2) سنة فرأى في منامه كأن الأرض قد انقلبت بأهلها، وكأن الناس يهربون على وجوههم وكأن الكواكب تتساقط، ويصدم بعضها بعضا بأصوات هائلة مفزعة فرجف قلبه وأزعجه ذلك وأرعبه ولم يذكره لاحد، وعلم أنه سيحدث في العالم أمر عظيم.
ثم راى بعد ذلك، كأن الكواكب الثابتة نزلت الى الأرض في صورة طيور بيض كأنها تخطف الناس، وتلقيهم بين جبلين عظيمين، وكأن الجبلين قد انطبقا عليهم، وكأن الكواكب النيرة مظلمة كاسفة، فانتبه ايضاً مذعورا ًفزعاً.
فدخل إلى هيكل الشمس، وجعل يتضرع فيه ويمرغ خديه في التراب، ويبكي، فلما أصبح أمر رؤساء الكهنة من جميع أعمال مصر، وكانوا مائة وثلاثين، فخلا بهم وحكى لهم جميع ما رآه فأعظموه وأكبروه وتأولوه على أمر عظيم يحدث في العالم.
فقال فيلمون عظيم الكهان، وكان فيلمون إذ ذاك كبيرهم، وكان لا يبرح من حضرة الملك لأنه رأس الكهنة كهنة أشمون، وهي مدينة مصر الأولى، قال إن في رؤيا الملك عجباً، وأمراً كبيراً، وأحلام أهل الملك لا تجري على محال ولا كذب لعظم أقدارهم، وكبير أخطارهم، وأنا اخبر الملك برؤيا رأيتها منذ سنة لم أذكرها لأحد من الناس.
__________
1) في ت: سورند بن شهلوق.
2) في ت: بألف وثلاثمائة.
(*)فقال له الملك: قصها عليّ يا فيلمون، قال: رأيت كأني قاعد (1) مع الملك على رأس المغار الذي في أشمون، وكأن الفلك قد انحط من موضعه، حتى قارب رؤسنا وكأن علينا كالقبة المحيطة بنا، وكأن الملك رافع (2) يديه إلى السماء، وكواكباً قد خالطتنا في صور شتى مختلفة، وكأن الناس يستغيثون بالملك وقد انجفلوا إلى قصره، وكأن الملك رافع (3) يديه إلى أن يبلغ رأسه، وأمرني أن أفعل مثل فعله، ونحن على وجل شديد إذ رأينا منه موضعاً قد انفتح وخرج منه ضياء يضئ، ثم طلعت علينا منه الشمس فكأنا استغثنا بها فخاطبتنا بأن الفلك سيعود إلى موضعه إذا مضت له ثلاث وستون دورة.
وهبط الفلك حتى كاد أن يلصق بالأرض ثم عاد الى موضعه، فانتبهت فزعاً.
فقال لهم الملك: خذوا ارتفاع الكواكب وانظروا هل من حادث، فبلغوا غايتهم في استقصاء ذلك، فأخبروه بأمر الطوفان، وبعده بالنار التي تحرق العالم.
فأمر الملك ببناء الأهرام، فلما تمت على ما دبروا حكمه، نقل اليها ما أحب من عجائبهم واموالهم واجساد ملوكهم، وأمر الكهان فزبروا (4) فيها علومهم، وحكمهم وأشرف ولد حام القبط والهند هم الحكماء.
ذكر ملوك مصر قبل الطوفان
وكان أول من ملك مصر قبل الطوفان بقراويس (5) وذلك أن بني آدم
__________
1) في الاصلين: قاعدا.
2، 3) فيهما رافع في الموضعين.
4) في ب: فدبروا، والزبر والكتابة.
5) في تاريخ القرماني: نقراوش الجبار بن مصرايم بن مركاييل بن رواييل بن عرياب بن آدم عليه السلام.
(*)

لما بغى بعضهم على بعض وتحاسدوا، وتغلب عليهم بنو قابيل ابن آدم تحول (1) بقراويس الجبار بن مصرايم بن مواكيل بن داويل بن عرباق بن آدم عليه السلام في نيف وسبعين راكباً من بني عرباق جبابرة، كلهم يطلبون موضعاً ينقطعون فيه عن بني آدم، فلم يزالوا يمشون حتى وصلوا إلى النيل فأطالوا المشي عليه، فما رأوا سعة البلد وحسنه أعجبهم، وقالوا: هذا بلد زرع وعمارة، فأقاموا فيه استوطنوه، وبنوا الأبنية والمصانع المحكمة.
وبنى بقراويس مصر، وسماها باسم أبيه مصرايم (2) تبركاً به وكان بقراويس جباراً له قوة زائدة وبطش وكان مع ذلك عالماً له رئي من الجن، فملك بني أبيه، ولم يزل مطاعاً في أمره، وقد كان وقع إليه من العلوم التي علمها درابيل لآدم عليه السلام، فقهر بها الجبابرة الذين كانوا معه.
وهم الملوك الذين بنوا الأعلام، واقاموا الاساطين العظام، وبنو المصانع الغريبة، ووضعوا الطلسمات العجيبة، واستخرجوا المعادن، وقهروا من ناوأهم من ملوك الأرض، ولم يطمع فيهم طامع، وكل علم جليل هو في أيدي المصريين، إنما كان من علوم أولئك، كانت مزبورة على الحجارة.
فيقال إن فيلمون الكاهن الذي ركب مع نوح عليه السلام في السفينة هو الذي فسرها لهم، وعلمهم كتبها، وسنذكر خبرها في موضعه إن شاء الله عزوجل.
ثم أمرهم بقراويس حين ملك ببناء سموها أمسوسا (3) وأقاموا لها أعلاماً طوالاً طول كل علم منها مائة ذراع، وزرعوا وعمروا الأرض، وامرهم ببناء المدائن، والقرى، واسكن أهل كل بيت ناحية من أرض مصر.
__________
1) في ب: تحمل، والتصحيح عن القرماني.
2) في ب: مصريم.
3) في القرماني: أسوس.
(*)

وهم الذين حفروا النيل حتى أجروا ماءه اليهم، ولم يكن قبل ذلك معتدل الجري، وإنما كان ينبطح ويتفرق في الأرض، فوجه إلى النوبة جماعة حتى هندسوه، وشقوا منه أنهاراً الى مواضع كثيرة من مدنهم التي بنوها.
وشقوا منها نهرا إلى مدينة أمسوس يجري في وسطها وغرسوا فيها عليه الغروس وكثر خيرهم وعمرت أرضهم، وتجبر بقراويس لما ملك قومه، وكان عظيمهم.
وبعد عشرين ومائة سنة خلت من ملكه أمر بإقامة الأساطين، وزبروا عليها علومهم.
ذكر دخولهم البلدة، وكيف خرجوا اليها ونزلوا بها وحروبهم لمن حاربهم من الملوك
ثم أمر ببناء قبة على أساطين مثبتة بالرصاص، طولها مائة ذراع، وجعل عليها مرآة زبرجد أخضر، قدرها سبعة أشبار ترى خضرتها على أمد بعيد.
وفي مصاحف المصريين أنه سأل الربئ الذي كان معه أن يعرفه فخرج [إلى شاطئ] النيل، فحمله حتى أجلسه على خلف خط الاستواء على البحر الأسود الزفتي [والنيل يخرج] مثل الخيوط حتى يدخل تحت جبل القمر،
ثم يخرج الى بطائح هناك.
ويقال إنه بنى بيت التماثيل هناك، وعمل هيكل الشمس، ورجع الى أمسوس وقسم البلد بين بنيه، فجعل لبقراوس الجانب الغربي، ولسوريد الجانب الشرقي، ولابنه الأصغر وهو مصرام مدينة سماها ير بيان، وأسكنه فيها، وأقام أساطين كثيرة، وشق اليها نهراً وغرس فيها غروساً.

وعمل بأمسوس عجائب كثيرة، منها طائر يصفر كل يوم عند طلوع الشمس مرتين وعند غروبها مرتين، تصفيراً مختلفاً، يستدلون به على ما يكون من الحوادث، فيتأهبون لذلك، وأجرى لهم الماء على مجرى ينقسم منه على ثمانية وعشرين قسماً.
وعمل في وسط المدينة صنمين حجراً أسود، إذا قدم المدينة سارق لم يمكنه أن يزول عنها حتى يهلك بينهما (1) فاذا دخل بينهما انطبقا عليه، ولهذين الصنمين أعمال عجيبة غير هذا.
وعمل بربيا صورة من نحاس مذهب على منار عال، لا يزال عليها السحاب يطلع، فمن استمطرها أمطرت عليه ما يشاء، فهلكت هذه الصورة في الطوفان.
وعمل على حدود بلدهم أصناماً من نحاس مجوفة، وملأها كبريتاً، ووكل بها روحانية النار، إذا قصدهم قاصد بسوء أرسلت تلك الأصنام من أفواهها ناراً فأحرقته.
وكان حد بلدهم إلى ناحية الغرب مسافة أيام كثيرة عامرة بالقصور والبساتين، وكذلك في البحر، ومن الصعيد إلى بلاد علوة.
وعمل فوق جبل بطرس مناراً يفور بالماء ويسقي ما حوله وما تحته من
المزارع وملكهم مائة وثمانين سنة.
فلما مات لطخوا جسده بالأدوية الممسكة، وجعلوه في تابوت من ذهب وعملوا له ناووساً مصفحاً بالذهب، وجعلوه فيه وجعلوا معه كنوزاً لا تحصى كثرة ولا تحصر قيمة.
__________
1) في القرماني ان يزول عنهما.
(*)

ومن الأنواع النفيسة [من] الجوهر وتماثيل الزبرجد، وكثيراُ من أكسير الصنعة المعمول المفروغ منه، ومن الذهب والأواني المعمولة من الذهب ما لا يحصى كثرة، ولا تعلم قيمته.
وزبروا على البيوت تاريخ الوقت الذي مات فيه ملكهم، ثم جعلوا على ذلك كله طلسمات تدفع عنه الهوام والحشرات المفسدة، وصور كل طالب من الأنس والجن.
ثم ملك بعده ابنه براوس (1) الملك فتجبر وعتا وعلا أمره وبنى مدينة يقال لها جلجلة وجعل فيها جنة، وصفح حيطانها بصفائح الذهب والحجارة الملونة، وغرس فيها أصناف الفواكه والغروس تحفها الأنهار.
وأمر باقامة أساطين جعلها معالم، وكتب عليها جميع العلوم.
وصور أصناف العقاقير بها، وزبروا عليها أسماءها ومنافعها.
وكان له شيطان يعمل له التماثيل العجيبة فهو أول من عمل بمصر هيكلاً، وصور فيه صور الكواكب السبعة، وكتب على رأسه تجاربها.
وما عملت من المنافع والمضار، وألبسها الثياب، وأقام للهيكل كاهناً وسدنة.
وخرج مغرباً حتى بلغ البحر المحيط، وعمل عليه أعمالاً، وبنى أساطين جعل على رؤوسها اصناماً تسرج عيونها كالمصابيح في الليل، ورجع على بلاد
السودان إلى النيل.
وأمر ببناء حائط على جانب النيل.
وجعل على شرفها حجارة ملونة شفافة.
وجعل في مدينة منها خزائن للحكمة، وهي أول عجائب الأرض وأغربها، ففي إحدى هذه المدن صنم للشمس، الذي هو أعظم أصنامهم.
__________
1) تقدم اسمه بقراوس، وفي كتاب القرماني: نقاوش.
(*)

وهي معلقة عليه في بيت شرفها وهو صورة إنسان جسده جسد طائر من ذهب أزرق مدبر وعيناه جوهرتان صفراوان، وهو جالس على سرير مغنطيس.
وفي يده مصحف من العلوم.
وفيها صنم آخر رأسه رأس إنسان وجسده جسد طائر، ومعه صورة امرأة جالسة من زئبق معقود لها ذؤابتان، وفي يدها مرآة، وعلى رأسها صورة كوكب.
وهي رافعة يدها بالمرآة الى وجهها ومظهرة فيها سبعة الوان من الماء السائل.
لا تختلط ولا يؤذي بعضها لون بعض ولا يغيره، وفيها شيخ جالس من الفيروزج بين يديه صبية جلوس كلهم من أصناف العقيق والجوهر.
وفي الخزانة الثانية صورة هرمس وهو مكب ينظر الى مائدة به يديه من نشادر على قوائم كبريت أحمر، وفي وسطها مثل الصحفة من جوهر أحمر فيها شئ من الصنعة.
وفيها صورة عقاب من زمرد أخضر، عيناه من ياقوت أحمر، وبين يديه حية زرقاء من فضة قد لوت ذنبها على رجليه، ورفعت رأسها كأنها تريد ان تنفخ عليه، وفي ناحية منها صفة المريخ راكب على فرس بيده سيف مسلول من حديد أخضر، وفيها عمود من جوهر اخضر عليه قبة من ذهب فيها صورة المشتري وفيها قبة من اللازورد على أربعة أعمدة من جذع أزرق، وفي سقفها
صورة الشمس والقمر يتحدثان في صورتي رجل وامرأة، وقبة من كبريت احمر فيها صورة الزهرة على صورة امرأة ممسكة بضفيرتها وتحتها رجل من زبرجد أخضر في يده كتاب فيه علم من علومهم، كأنه يقرؤه عليها.
وجعل في كل خزانة من بقية الخزائن من الأموال والجواهر والكنوز والحلى ما لا يعد ولا يقدر قدره.

وجعل على باب كل مدينة طلسما، يمنع دخولها في صور مختلفة، لا يشبه بعضها بعضا.
وملأ كل مدينة بالجوهر النفيس والزبرجد الخطير والذهب والفضة، والكبريت الأحمر، واكسير الصنعة، وصنوف الادوية المؤلفة، والسموم الفاتكة، وعلم كل باب منها بعلامة تعرف بها.
وانفذ إليها خازنا تحت الأرض وجعلها من تحت جلجلة، وهي مدينته التي عمل فيها الجنة.
وبين كل مدينة من تلك المدن الثلاث عشرون ميلا، وبين الثلاث سبعة أميال.
وكان له من مدينته الى هذه المدائن اسراب تحت الأرض يصل منها اليها، وكذلك من بعضها الى بعض.
وصفات هذه المدائن وعجائبها في كل قرية بمصر على تلك الحجارة، وفي جميع مصاحفهم القديمة، وأكثر ذكرها في هياكل الكواكب خاصة، وقرئ في مصحف لبعض الكهان القدماء ذكر بقراوش الملك بكل ما ذكرناه، وأنه عمل مع ما ذكرناه عجائب كثيرة أزالتها الطوفان وركب هذه الرمال لزوال طلسماتها، فأقام بقراوش ملكا مائة سنة وسبع سنين، ثم مات فعمل
له ناووس، وجعل معه من العجائب ما يطول ذكره.
وولى بعده ابنه مصرام الملك بن بقراوس، فبنى للشمس هيكلا من المرمر وموهه بالذهب، وجعل في وسط الهيكل كالفرس من جوهر أزرق عليه صورة الشمس من ذهب أحمر، وأرخي عليه وعليها حلل الحرير الملون، وأمر أن يوقد عليها بطيب الريحان، وجعل في الهيكل قنديلا من الزجاج

الصافي، وجعل فيه حجرا مدبرا يضئ اكثر مما يضئ السراج، وأقام له سدنة، وعمل أربعة أعياد في السنة.
وقيل إن مصر سميت به، وسمى به مصريم بن حام بعد الطوفان، لأنه وجد اسمه مزبورا على الحجارة.
وكان افليمون الكاهن يخبرهم بأخبار هؤلاء الملوك، وكان مصرام هذا قد ذلل الأسد في وقته، وكان يركبه، وصحبه الجني الذي كان مع أبيه، لما رأى من حرصه على لزوم الهياكل، والقيام بأمر الكواكب.
وأمره أن يحتجب عن الناس، وألقى على وجهه [من سحره] (1) نوراً شديداً لا يقدر احد على النظر اليه.
وادعاه إلها، واحتجب عن الناس ثلاثين سنة، واستخلف عليهم رجلاً من ولد عرباق، وكان كاهنا.
ويقال إن مصرام لما ركب في عرشه، وحملته الشياطين حتى انتهى الى وسط البحر، فجعل له فيه القلعة البيضاء، وجعل عليها صنما للشمس، وزبر عليه اسمه وصفة ملكه.
وعمل (2) صنما من نحاس وزبر عليه " انا مصرام الجبار، كاشف الاسرار، الغالب القهار، وضعت الطلسمات الصادقة، وأقمت الصور الناطقة، ونصبت الاعلام الهائلة، على البحار السائلة، ليعلم من بعدي انه لا
يملك أحد ملكي ".
وكل ذلك في أوقات السعادة، وقد كان عمل في جنته شجرة مولدة، تؤكل منها جميع الثمار.
__________
1) زيادة عن ق.
2) في ب: وجعل، وهذه رواية القرماني.
(*)

وعمل فيها قبة من زجاج احمر على رأسها صنم يدور مع الشمس، ووكل بها الشياطين إذا اختلط الظلام أن لا يخرج احد من ملكه إلا هلك.
وهو أول من عمل الحمام، وأحب أهل مصر ان يروه فسألوا خليفته ذلك، فأمرهم أن يجتمعوا في مجلس عال كان له، فاجتمعوا وجلسوا عنده، فظهر لهم في صورة هالتهم، ملأت قلوبهم رعباً، فخروا له على وجوههم دعوا له فأمر بإحضار الطعام والشراب فأكلوا وشربوا ورجعوا إلى مواضعهم، ثم لم يروه بعد ذلك وبلغ في كهانته الى ما لم يبلغه أحد من آبائه وأجداده.
وملك بعده عيقام الكاهن، فعدل فيهم، وعمل مدينة عجيبة قرب العريش وجعلها لهم حرماً، وعمل لهم طلاسم عجيبة وعجائب كثيرة، وقيل ان إدريس عليه السلام رفع في وقته ولم يطل عمره.
وملك بعده ابنه عرباق بن عيقام فتجبر واقبل على صيد السباع والوحش وعمل عجائب.
منها أنه عمل شجرة من حديد ذات أغصان، ولطخها بدواء مدبر، فكانت تجلب كل صنف من السباع والوحش اليها، فيتمكن من صيدها كيف شاء.
وفي كتب المصريين أن هاروت وماروت كانا في وقته بمصر، فعلما أهل
مصر أصنافاً من السحر، فنقلا بعد الطوفان إلى أرض بابل وتعلم عرباق من علمها.
فاحتالت عليه امرأة من المغصوبات فسمته فهلك وبقي مدة لا يعرف خبره، وكان رسمه إذا خلا بالنساء لا يقربه أحد.
فلما تأخر خبره عن الناس هجم ععليه فتى من بني بقراوس يقال له لوحيم (1)
__________
1) في ق: لوجيم بالمعجمة.
(*)

 كتاب أخبار الزمان ومن أباده الحدثان الجزء 1 ص 143

الخميس، 19 أبريل 2018

الدينار الاحمدي

 الدينار الاحمدي 

ورد في رسائل المقريزي
للمؤلف: أحمد بن علي بن عبد القادر، أبو العباس الحسيني العبيدي، تقي الدين المقريزي (المتوفى: 845هـ)
ما جاء في صفة العملات المصرية في الاسلام

  نقود مصر
أما مصر من بين الأمصار، فما برح نقدها المنسوب إليه قيم الأعمال وأثمان المبيعات، ذهبا في سائر دولها، جاهلية وإسلاما، يشهد لذلك بالصحة أن خراج مصر فى قديم الدهر وحديثه إنما هو الذهب كما ذكرته في (كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار) فإنى أوردت فيه مبلغ خراج مصر، منذ مصرّت بعد الطوفان، إلى زماننا هذا، ويكفى من الدلالة على صحة ذلك، ما رويته من طريق مسلم وأبى داود رحمهما الله تعالى، من حديث أبى هريرة رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «منعت العراق درهمها وقفيزها «3» ، ومنعت الشام مدّها ودينارها، ومنعت مصر إردبّها ودينارها» الحديث «4» فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلّم كل بلد وما تختص به من كيل، ونقد، وأشار إلى أن نقد مصر: الذهب. وكأن في هذا الحديث ما يشهد بصحة فعل عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فإنه لما افتتح العراق في ست عشرة من الهجرة، بعث عثمان بن حنيف رضى الله عنه ففرض على أهل السواد «5» على كل جريب «6» من الكرم عشرة دراهم، وعلى جريب النخل ثمانية دراهم، وعلى جريب القصب والشجر ستة دراهم، وعلى جريب البر أربعة دراهم، وعلى جريب الشعير درهمين، وكتب بذلك إلى عمر رضى الله عنه فارتضاه.
ولما فتحت مصر سنة 20 على القول الراجح، فرض عمرو بن العاص رضىالله عنه على جميع من بها من القبط البالغين من الرجال دون النساء والصبيان والشيوخ دينارين على كل رأس، فجبيت أول عام اثنا عشر ألف ألف دينار، وقد روى أنها جبيت ستة عشر ألف ألف دينار، وهما روايتان معروفتان، فأقر ذلك عمر ابن الخطاب رضى الله عنه.
ومن أنعم النظر في أخبار مصر عرف أن نقدها وأثمان مبيعاتها وقيم أعمالها لم يكن إلا من الذهب فقط إلى أن ضعفت مملكتها باستيلاء الفرنج عليها فحدث حينئذ اسم الدراهم، وسأبين فيما يأتى طرفا من ذلك.
ومع هذا، فإن مصر لم تزل منذ فتحت دار إمارة، وسكّتها إنما هى سكّة بنى أمية ثم من بنى العباس، إلا أن الأمير أبا العباس أحمد بن طولون ضرب بمصر دنانير عرفت بالأحمدية، وكان سبب ضربها أنه ركب يوما إلى الأهرام فأتاه الحجّاب بقوم عليهم ثياب صوف ومعهم المساحى «1» والمعاول، فسألهم عما يعملون فقالوا:
نحن قوم نتبع المطالب. فقال لهم: لا تخرجوا بعد هذا إلا بمشورة ورجل من قبلى، وسألهم عمّا وقع إليهم من الصفات فذكروا له أن في سمت «2» الأهرام مطلبا قد عجزوا عنه؛ لأنهم يحتاجون في إحاثته»
إلى قدر كبير من المال، ونفقات واسعة، فأمر بعض أصحابه أن يكون معهم، وتقدم إلى عامل معونة الجيزة «4» ، فى دفع جميع ما يحتاجون إليه من المال والنفقات، فأقام القوم يعملون إلى أن ظهرت لهم العلامات، فركب أحمد بن طولون حتى وقف على الموضع وهم يحفرون فجدّوا في الحفر وكشفوا عن حوض مملوء دنانير وعليه غطاء مكتوب عليه بالبربوية «5» فأحضر من قرأه ففسره فقال:
«أنا فلان بن فلان، الملك الذى ميّز الذهب من غشّه ودنسه، فمن أراد أن يعلم فضلى وفضل ملكى على ملكه، فلينظر إلى فضل عيار دينارى على ديناره،