الخميس، 19 أبريل 2018

الدينار الاحمدي

 الدينار الاحمدي 

ورد في رسائل المقريزي
للمؤلف: أحمد بن علي بن عبد القادر، أبو العباس الحسيني العبيدي، تقي الدين المقريزي (المتوفى: 845هـ)
ما جاء في صفة العملات المصرية في الاسلام

  نقود مصر
أما مصر من بين الأمصار، فما برح نقدها المنسوب إليه قيم الأعمال وأثمان المبيعات، ذهبا في سائر دولها، جاهلية وإسلاما، يشهد لذلك بالصحة أن خراج مصر فى قديم الدهر وحديثه إنما هو الذهب كما ذكرته في (كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار) فإنى أوردت فيه مبلغ خراج مصر، منذ مصرّت بعد الطوفان، إلى زماننا هذا، ويكفى من الدلالة على صحة ذلك، ما رويته من طريق مسلم وأبى داود رحمهما الله تعالى، من حديث أبى هريرة رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «منعت العراق درهمها وقفيزها «3» ، ومنعت الشام مدّها ودينارها، ومنعت مصر إردبّها ودينارها» الحديث «4» فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلّم كل بلد وما تختص به من كيل، ونقد، وأشار إلى أن نقد مصر: الذهب. وكأن في هذا الحديث ما يشهد بصحة فعل عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فإنه لما افتتح العراق في ست عشرة من الهجرة، بعث عثمان بن حنيف رضى الله عنه ففرض على أهل السواد «5» على كل جريب «6» من الكرم عشرة دراهم، وعلى جريب النخل ثمانية دراهم، وعلى جريب القصب والشجر ستة دراهم، وعلى جريب البر أربعة دراهم، وعلى جريب الشعير درهمين، وكتب بذلك إلى عمر رضى الله عنه فارتضاه.
ولما فتحت مصر سنة 20 على القول الراجح، فرض عمرو بن العاص رضىالله عنه على جميع من بها من القبط البالغين من الرجال دون النساء والصبيان والشيوخ دينارين على كل رأس، فجبيت أول عام اثنا عشر ألف ألف دينار، وقد روى أنها جبيت ستة عشر ألف ألف دينار، وهما روايتان معروفتان، فأقر ذلك عمر ابن الخطاب رضى الله عنه.
ومن أنعم النظر في أخبار مصر عرف أن نقدها وأثمان مبيعاتها وقيم أعمالها لم يكن إلا من الذهب فقط إلى أن ضعفت مملكتها باستيلاء الفرنج عليها فحدث حينئذ اسم الدراهم، وسأبين فيما يأتى طرفا من ذلك.
ومع هذا، فإن مصر لم تزل منذ فتحت دار إمارة، وسكّتها إنما هى سكّة بنى أمية ثم من بنى العباس، إلا أن الأمير أبا العباس أحمد بن طولون ضرب بمصر دنانير عرفت بالأحمدية، وكان سبب ضربها أنه ركب يوما إلى الأهرام فأتاه الحجّاب بقوم عليهم ثياب صوف ومعهم المساحى «1» والمعاول، فسألهم عما يعملون فقالوا:
نحن قوم نتبع المطالب. فقال لهم: لا تخرجوا بعد هذا إلا بمشورة ورجل من قبلى، وسألهم عمّا وقع إليهم من الصفات فذكروا له أن في سمت «2» الأهرام مطلبا قد عجزوا عنه؛ لأنهم يحتاجون في إحاثته»
إلى قدر كبير من المال، ونفقات واسعة، فأمر بعض أصحابه أن يكون معهم، وتقدم إلى عامل معونة الجيزة «4» ، فى دفع جميع ما يحتاجون إليه من المال والنفقات، فأقام القوم يعملون إلى أن ظهرت لهم العلامات، فركب أحمد بن طولون حتى وقف على الموضع وهم يحفرون فجدّوا في الحفر وكشفوا عن حوض مملوء دنانير وعليه غطاء مكتوب عليه بالبربوية «5» فأحضر من قرأه ففسره فقال:
«أنا فلان بن فلان، الملك الذى ميّز الذهب من غشّه ودنسه، فمن أراد أن يعلم فضلى وفضل ملكى على ملكه، فلينظر إلى فضل عيار دينارى على ديناره،